غفران ورحمة!
top of page
1/3

غفران ورحمة!


غفران ورحمة

من أكثر آلام الحياة الشعور بالترك أو الإهمال، بالأخص عندما يضع الإنسان لأحبائه معايير عالية وتوقعات ضخمة. فمن الممكن أن تجد نفسك أمام شخص قد أهانك كثيرًا، ولكنك استطعت أن تغفر له، ولكن أمام إهانة قد تكون أبسط لكنها موجهة من شخص عزيز عليك، فإنك تشعر بوخز في قلبك وانهيار شديد، بل وفي كثير من الأحيان غضب وسخط لمجرد أنك كنت تتوقع منه الكثير.


وكلما إزدادت العلاقات قوة وقرب وحميمية، كلما كانت أكثر تأثيرًا على مسار الحياة. فبعض العلاقات قد ترفع النفس أو تستنزفها وتُحبطها. وعندما نقترب بالأخص من العلاقات الزوجية فنحن أمام أمر هام،

إذ ان الشخص الذي يجرحني لا أستطيع التملص منه أو تركه،

فهو شريك الحياة الذي تعاهدنا أن أكون بجانبه/ جانبها ولا يفصل بيننا إلا الموت، في الضيق والرحب، في المرض والصحة، وفي الفقر والغنى.


ومن غير المنطقي توقع عدم وجود مضايقات أو خذلان بين شريكي الحياة. وبطبيعة الحال نحن شخصان مختلفان. ومن الوارد أن نجرح بعضنا بعضًا في إحدى لحظات الغضب أو الضعف. او أن يشعر أحد الطرفين أن شريكه/ شريكته لا يتوافق معه في الرأي أو في الشخصية في أمر أو أكثر، فيصاب الشخص بالإحباط إذ تنهار توقعاته الوردية من الطرف الآخر.


وفي كثير من الأحيان يصاحب الإحباط صديقه العزيز الغضب!


نعم عزيزي في كثير من الأحيان يشير غضبنا وسخطنا إلى إحباط شديد لم نواجهه او نتعامل معه. ففي بعض المرات قد تتوقع شريكة حياتي عندما تضايقت مني، إني سآتي وأصلح الأمر، ولكن قد يطول الوقت ولا أفعل شيئًا، مما يصيبها بالإحباط وبعد ساعات أو أيام قليلة تبدأ نوبات الغضب غير المبرر في الظهور، وبعدها تشتعل النيران التي قد تحتاج للمزيد من الوقت لتنطفئ!


يعلمنا الكتاب المقدس ألا نتوقع من الطرف الآخر أنه سيفهم دائمًا وحده أنه أخطأ إلينا. ولكن ماذا يقول الرب يسوع؟


إن أخطأ إليك أخوك فاذهب وعاتبه بينك وبينه (مت 18:15)

وأيضًا يعلمنا الرب أنه

إن رجع إليك تائبًا حتى ولو سبعين مرة سبع مرات فاغفر له. (مت 18: 22)


للغفران وجهان: أحدهما داخلي بين الإنسان والله وفي هذا الوجه ينظر الإنسان لنعمة الله أولًا ويدرك كم غفر له الرب ورحمه، وفي هذه الحالة يطلق غفرانًا للشخص المسيء إليه. هذا الغفران يعني أنه يتخلى عن كل حيله الدفاعية الداخلية والخارجية منها لمحاولة الانتقام أو تمني الشر لهذا الشخص.


ولكن الوجه الآخر للغفران هو استعادة العلاقات، وهذا الوجه يتطلب توبة حقيقة صادقة وندم من الطرف المسيء وعزم على عدم فعل هذا الأمر مرة أخرى. وفي هذه الحالة على الطرف المُساء إليه قبول توبة الإنسان بمحبة ورحمة ومساعدته في سكة تغييره. 


في هذه الطريق علينا أن ندرك أن التغيير ليس لحظيًا لكنه يتطلب الكثير من الوقت، ومن الوارد أن شريكي الذي أساء إليّ لا يستطيع أن يغير من نفسه بنفسه، لكنها رحلة عمل الله بداخل الإنسان. وكما أني أنا تغيرت ومازلت أتغير ببطء في رحلة تقديس الروح القدس لي، فعليّ أنا أيضًا أن أحتمل وأصبر على تغيير الشخص الآخر.

فطول الأناة هذه هي أداة الله لتغيري أنا أيضًا،

فقد أدرك إن شريكي الذي اعتذر مني مرة ومرات يفعل نفس الأمر، ولكنه مازال نادمًا ورافضًا هذا الشيء.


هنا يأتي مفهوم النعمة الحقيقي في علاقاتنا، فكثيرًا تغنينا بنعمة الله المجانية التي غفرت لنا خطايانا وقبلتنا كأولاد محبوبين في المسيح يسوع، ولكن عندما نتعامل بعضنا مع بعض نشهر سيف الحق والعدل حاكمين على المُذنبين إلينا دون شفقة أو رحمة.

هنا أسألك عزيزي، هل أنت داخل هذه الدائرة المُفرغة من الإحباط والغضب والإهانات، وقد تدمرت علاقتك الأسرية وتشعر أنه لا جدوى من أي حديث؟


الله اليوم يعلن لك عن وسيلة استرداد العلاقات: اذهب وعاتب بمحبة، لا لكي تدين شريكك/ شريكتك، ولكن تساعده وتحبه وتحتمله وتربحه مرة أخرى. 


اقبل على نفسك تكلفة صنع السلام،

فصناعة السلام ليست أمنيات أو عبارات رنانة، لكن المسيح لكي يصالحنا مع الآب تحمل ديننا وخطيتنا على نفسه.


هلم قم وأغفر لشريكك أولًا بينك وبين الله وأطلق دينه، لا تحبسه في قالب المُدان بدون أي أمل. ولكن أطلب من الرب أن يفتح الباب أمامك مرة أخرى لربح شريكك.


إذا كنت تريد أن تربحه عليك بالتفكر بهذه الأمور:


1- أنا لست أفضل منه فأنا خاطئ وأحتاج للرحمة كما هو أيضًا.

2- قد يكون هناك أعذار لما فعله، حتى وان كان هذا العذر هو أنه فعل ذلك عن جهل.

3- مهما كان حجم الخطأ في حقي فأنا لست مثل الله، ان كان الله رحمني مجانًا، دافعًا ثمن خطيتي بنفسه فأنا أيضًا من الممكن أن أفعل نفس الشيء فكرامتي بكل تأكيد لا تقارن بمجد الله العظيم الذي قمت بإهانته.

4- إذا بادر شريكي بمجرد التلميحات لتوبته سأصنع معه كما صنع الأب في مثل الابن الضال، سأركض إليه وأقع على عنقه وأقبله ناسيًا كل شيء، فالمحبة ترفق ولا تحفظ سجلًا للإساءات.

5- أخيرًا، من الوارد أن يخطئ شريكي بنفس الخطأ مرات ومرات، على أن أرحمه وأشجعه موضحًا بكل محبة ما يضايقني، ولكني لن أفشل منه. فالمحبة لا تسقط أبدًا. 



38 views0 comments

Recent Posts

See All
bottom of page