عقيدة المحبة
في اتهام بيقول ان كل من يعتقد ان الحق اللي بيتبعه هو الطريق الوحيد للخلاص والملكوت دة يعتبر تدين وتعصب اعمى..
وهنا لازم نقف شوية عن معنى كلمة دين ومعنى كلمة عقيدة..
الدين في جوهره ومفهمومه الاساسي هو طريق الوصول لله بالجهد والعمل، واتباع الوصايا والمبادئ للحصول على الطهارة والنقاء المطلوبين للخلاص والتبرير امام الله..
الدين بمعنى اخر هو وضع رصيد من الاعمال الصالحة لدى الله كتسديد "للدين" المتسبب فيه الخطية والذنب..والتسديد دة بيتم عن طريق الجهاد وطاعة وصايا الله..
الدين هو علاقة اشبه باتفاقية تجارية بين طرفين، ومصلحة متبادلة، ادفع لكي تحصل على..ولغاية ما تسدد كل التزاماتك تصبح في امان..
طبعا مفهوم الدين بيضع الانسان في المركز وبيخليه هو بطل القصة لان الامر قايم على مجهوده وبره الذاتي، عشان كدة الدين بيفترض اعتقادات معينة عشان يطبق مفاهيمه، ويقدر يستمر ويأثر على السلوك والاخلاقيات وغيرها..
فتمسك الدين بعقائد معينة هو في الاخر لخدمة فكر الانسان وقلبه، واستخدام شريعة الله لاشباع رغباته، فالمتدين بيقول لربنا انا هقدملك محبة وعمل عشان تحبني وتباركني..وكا عقائد الاديان بتدور حول المفهوم دة.
اذا لازم نفرق هنا ما بين الدين والاعتقاد، فالدين يحتوي عقائد، يعني يعتقد في الامور اللي ذكرناها، وبالتالي كدة الدين مش هو العقيدة، هو عنده عقيدة لكنه مش العقيدة..
امال يعني ايه عقيدة؟؟
كلمة عقيدة ببساطة جاية من كلمة اعتقد يعني افكر في امر بطريقة معينة، ودة بيخلي كل الناس عندها عقيدة، لان كل الناس بتفكر في الامور بطرق مختلف اما طبقا للدين زي ما ذكرنا او طبقا للثقافة والعادات والتقاليد، او طبقا حتى للا عقيدة..يعني ايه الكلام دة؟؟
يعني لما حد يقول انه مش بيتبع عقيدة لكن بيتبع المحبة مثلا..فدة في حد ذاته عقيدة، لانه بيعتقد ان المحبة اهم من الفكر او بيعتقد ان العقيدة بتفسد المحبة..ففي النهاية اسمه بيعتقد يعني عنده عقيدة كمان.
وهنا محتاجين نقف كمان مرة عند مفهوم المحبة..فهل المحبة تحتاج عقيدة فعلا.. هل في أنواع من المحبة؟ او هل المحبة تحتوي عقائد؟؟
بالفعل دة سؤال صعب لكن لازم مثلا نعرف ان الأساس اللي بتقوم عليه عقائد الأديان هو العلاقات وتنظيم العلاقة بين الله وبين الناس..يعني المحبة تعتبر هدف الأديان النهائي وان كانت الأديان بتفشل في الوصول للهدف ده عن طريق مفاهيمها.
لكن في النهاية الدين هو عن استعادة العلاقة مع الله، لكن مش عشان شخصه وجماله قداسته ومحبته..بس عشان يغرق الانسان بركاته ويخلصه من الجحيم.
لكن مثلا الفلسفة البشرية بتقدم حلول تبدو مختلفة عن الأديان عشان تحقق المحبة المرجوة برضه، "فبتعتقد" ان الانسان ممكن يوصل للمحبة والرقي عن طريق عقله، هو مش محتاج اوي للدين غير في شوية أمور تنظيمية عشان تقاوم الانحرافات، لكن الأساس هو العقل المجرد، وهو اللي يقدر يحدد ما هو مثالي وما هو ليس كذلك..خلي بالك هنا ولاحظ برضه ان دة اعتقاد ومعتقد بيقول ان المحبة اصلها العقل مش الشريعة، هي جوة الانسان وهو مش محتاج أي حاجة غير انه يبحث داخل نفسه عشان يوصلها، واظن المعتقد دة قوي جدا حاليا.
وفي جماعات كتيرة بتحاول تعمل مزج ما بين عقائد الدين وعقائد الفلسفة عشان تخرج مفاهيم محايدة المتدين يوافق عليها والفيلسوف كمان، فمحدش يحتاج انه يبقى ملحد او متشدد، ودة ما يسمى حاليا بالدين العالمي او الايمان الموحد، يعني كلنا نتفق على مبادئ واحدة من الفلسفة والأديان ونقول ان الطرق الى الله متعددة وكل واحد يوصل لربنا بطريقته او بدينه المهم ان الكل في الاخر هيجتمعوا في مكان واحد..وفي النهاية المهم هي اخلاقك وعملك..هو دة الخير.
عشان كدة المحبة كمفهوم ليها اعتقاد وفكر، مفيش محبة بدون ما اعتقده عن معنى المحبة، فهل المحبة هي اني اطيع الله والا اطيع العقل والا اطيع من هنا شوية ومن هنا شوية؟؟
ولسة عندنا مفهوم تاني خالص للمحبة..
المفهوم دة موجود في الانجيل او البشارة اللي بيعلنها لينا الكتاب المقدس، والمحبة في كلمة الله في المسيحية مختلفة تماما، لانها قايمة في الأساس على تعريف شخصية الله نفسه، فالكتاب بيقول ان الله محبة، يعني شخصية الله هي مصدر المحبة وهو الوحيد اللي يقدر يعرفنا يعني ايه محبة، مش العقل والا طاعتنا الشخصية لكن شخصه وفكره هو، واعلانه عن شخصه.
عشان كدة في الانجيل الله بيعلن عن نفسه في يسوع المسيح، وبيقول ان المحبة ليها تعريف لازم تعتقده او تتبنى فكره عشان تخلص..ودة ليه؟ عشان فيه مفاهيم تانية وعقائد تانية للمحبة تتعارض مع مفهوم الانجيل.
الدين زي ما قلنا بيقول اعمل واجتهد وحب ربنا عشان يحبك ويباركك ويخلصك، على عكس الانجيل اللي بيقول ان ربنا هو اللي عمل وصار انسان وهو اللي عاهد الانسان من اول ما سقط عشان يخلصه، بدون أي جهد من الانسان، وان الله هو اللي حبنا أولا مش احنا.."فِي هذَا هِيَ الْمَحَبَّةُ: لَيْسَ أَنَّنَا نَحْنُ أَحْبَبْنَا اللهَ، بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ابْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا." (1يو4: 10)
خلي بالك ان يوحنا هنا بيقول ان هي دي المحبة، يعني المحبة ليها تعريف والتعريف دة هو الانجيل وبيحذر قبلها ان اللي مش عنده التعريف دة هالك، لان المحبة مش مجرد كلمة او مفهوم هلامي ينفع الانسان يشكله زي ما يحب.
بِهذَا تَعْرِفُونَ رُوحَ اللهِ: كُلُّ رُوحٍ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ فَهُوَ مِنَ اللهِ، وَكُلُّ رُوحٍ لاَ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ، فَلَيْسَ مِنَ اللهِ. وَهذَا هُوَ رُوحُ ضِدِّ الْمَسِيحِ الَّذِي سَمِعْتُمْ أَنَّهُ يَأْتِي، وَالآنَ هُوَ فِي الْعَالَمِ. (1يو4: 2-3)
في الانجيل الانسان بيحب ربنا لان ربنا بيحبه مش العكس، يعني المحبة اللي بيقدمها الانجيل عكس المحبة اللي بيقدمها الدين..
وكمان في الفلسفة اللي بتقول ان الانسان يقدر يوصل للمحبة عن طريق عقله وقلبه، فالانجيل واضح في الامر دا، ان شخصية الانسان وكيانه فسد بعد السقوط وعجز الانسان عن انه يجد المحبة بذاته او بطريقته وافكاره، عقيدة الانسان عن المحبة مختلفة عن عقيدة الانجيل..لان الكتاب المقدس مش بس بيعلن عن الله ومحبته وقداسته، لكن كمان بيعلن بوضوح عن حالة الانسان وقلبه وكيانه وضميره وازاي هو ميت ومعندوش الإرادة للمحبة الحقيقية.
"وَأَنْتُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتًا بِالذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا، الَّتِي سَلَكْتُمْ فِيهَا قَبْلاً حَسَبَ دَهْرِ هذَا الْعَالَمِ، حَسَبَ رَئِيسِ سُلْطَانِ الْهَوَاءِ، الرُّوحِ الَّذِي يَعْمَلُ الآنَ فِي أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ، الَّذِينَ نَحْنُ أَيْضًا جَمِيعًا تَصَرَّفْنَا قَبْلاً بَيْنَهُمْ فِي شَهَوَاتِ جَسَدِنَا، عَامِلِينَ مَشِيئَاتِ الْجَسَدِ وَالأَفْكَارِ، وَكُنَّا بِالطَّبِيعَةِ أَبْنَاءَ الْغَضَبِ كَالْبَاقِينَ أَيْضًا، اَللهُ الَّذِي هُوَ غَنِيٌّ فِي الرَّحْمَةِ، مِنْ أَجْلِ مَحَبَّتِهِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي أَحَبَّنَا بِهَا، وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِالْخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ الْمَسِيحِ بِالنِّعْمَةِ أَنْتُمْ مُخَلَّصُونَ." (اف2: 1-5).
لاحظ في عدد 4 بيقول ايه؟! الله الذي هو غني في الرحمة "من اجل محبته" مش من اجل محبة الناس، بالعكس الناس اموات ومحبة الله في يسوع المسيح وفي صليبه هي اللي بتقيم الناس مش عقيدتهم عن الله او عن عقلهم..
ودة بيلخصلنا ان مفيش طريق تاني للنوع دة من المحبة غير في شخص المسيح، وانت أصلا عشان تتعامل مع شخص الله لا يمكن توصله غير عن طريق المسيح لانه هو الله الظاهر في الجسد، اظن دي عقيدة، وعقيدة عميقة جدا ومحتاجين نتملي منها كل يوم عشان نتعلم عمق المحبة دي..ايوة! النوع ده من المحبة مش مجرد حقيقة بتعرفها دي معجزة بتخترق قلب الانسان وبتفضل تشكل فيه وتغيره عشان يبقى شبه خالقه، والمحبة دي ليها اسم وكيان وهو شخص يسوع المسيح، الاله الكامل المحبة والانسان الكامل الطاعة..
الانسان لا يمكن يخلص بعقائد الدين لانه عاجز انه يطيع ربنا بمحبته، مينفعش يقف قدام ربنا بطاعته الشخصية لان مفيش ولا انسان اطاع شريعة الله بالكامل غير انسان واحد بس هو يسوع، هو اللي عرف يعيش الحياة المفروض كان يعيشها الناس، ومات الموت اللي كان المفروض الناس يموتوه، ودي كمان عقيدة. لان المحبة اللي قايمة على النعمة غير المحبة اللي قايمة على المنفعة والمصلحة.
وكمان لا يمكن يخلص بعقائد الفلسفة، لان عقله فاسد وميقدرش يوصل للمثالية اللي بيوهم نفسه بيها، لان المثالية ببساطة هي شخص الله، والله قدم المثال النهائي للمحبة والأخلاق في يسوع المسيح، والهدف مش ان يسوع يبقى نموذخ أخلاقي بس لكن مخلص وفادي ومقيم من الأموات.
بطل الانجيل ومركزه هو الله ودي هي المحبة، والخير هو اننا نعبد الله بمحبة ونكون في المسيح، والبركة اننا نتملي بيسوع المسيح وبروح الله، والرجاء هو اننا نبقى شبه يسوع المسيح مش اننا نبقى أفضل نفسيا او ماديا واجتماعيا، لان الأفضل هو الحياة الأبدية بشركة واتحاد مع يسوع للأبد.
كل دي عقائد لازم نلتزم بيها ونثق فيها ونتكل عليها علشان نخلص وهو دة اللي بنسميه الايمان، مفيش ايمان بدون عقيدة، ومفيش انسان معندوش ايمان وبالتالي عقيدة او كمان مجموعة عقائد.
المحبة عقيدة، فمفيش حاجة اسمها محبة بدون عقيدة، المهم هو ان المحبة تكون عقيدتها سليمة، والعقيدة تكون محبتها حق ونعمة.
Comentários