top of page
1/3

إرادة الحرية


كلمة ارادة: لم ترد لها صفة الحرية ولا مرة في الكتاب المقدس، وليس لانها ليست كذلك بل لان كلمة ارادة في حد ذاتها تحوي تعريف الحرية في اختيار الاشياء، فالارادة هي ان تختار، لذلك فان وصفنا للارادة بانها حرة هو مزايدة فلسفية تثبت كبرياء القلب، فالانسان لم يستطع ان يختار الصلاح حتى وهو في افضل حالاته قبل السقوط. فماذا عما بعد السقوط؟؟


“كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ:«أَنَّهُ لَيْسَ بَارٌّ وَلاَ وَاحِدٌ.لَيْسَ مَنْ يَفْهَمُ. لَيْسَ مَنْ يَطْلُبُ اللهَ. الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعًا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ.” (رو3: 10-12).


ونلاحظ هنا ان بولس الرسول يذكر انه “ليس من يطلب” اي ان خطية الانسان محورها ارادته فهي لا تطلب الله بدون تدخل الله.


لقد اعطانا الله “ارادة” وهي في اختياراتها لا تقارن بارادة الله. فالله يملك كل الاشياء بما فيها ارادتنا, فله حق ابداع ووجود هذه الارادة. “لأَنَّ مِنْهُ وَبِهِ وَلَهُ كُلَّ الأَشْيَاءِ. لَهُ الْمَجْدُ إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ.” (رو11: 36).


ان ارادة الانسان يتحكم فيها قلبه (ميوله ورغباته)، وليس العقل كما يعتقد البعض، فالكتاب المقدس يركز على افكار القلب واتجاهاته “يَا ابْنِي أَعْطِنِي قَلْبَكَ، وَلْتُلاَحِظْ عَيْنَاكَ طُرُقِي.” (ام23: 26) وغيرها الكثير من دعوات التغيير من خلال القلب.


ويقول الكتاب المقدس عن القلب انه: ” اَلْقَلْبُ أَخْدَعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ نَجِيسٌ، مَنْ يَعْرِفُهُ؟” (ار17: 9) وان “تَصَوُّرَ قَلْبِ الإِنْسَانِ شِرِّيرٌ مُنْذُ حَدَاثَتِهِ” (تك8: 21)، وهذا ما يجعل اختيارات الانسان فاسدة وارتبطت حريته بالفساد, ومع خلقه على صورة الله، الا ان هذه الصورة تشوهت وسقطت بالعصيان، ولا يوجد طريق لاسترداد هذه الصورة الا عن طريق صانعها. واذا كانت هذه الارادة لا تخضع لله فهذا بسبب فساد القلب وظلمته، ولكن في النهاية تنفذ ارادة البشر ما يريده الله بدقة، فالله اراد ان يُصلب يسوع المسيح باستخدامه شرور القلب البشري, وفي ارادة البشر الغير خاضعة لله, تحققت خطة الله في الخلاص وانتصر يسوع المسيح على الشر في قيامته. “لأَنَّ اللهَ وَضَعَ فِي قُلُوبِهِمْ أَنْ يَصْنَعُوا رَأْيَهُ، وَأَنْ يَصْنَعُوا رَأْيًا وَاحِدًا، وَيُعْطُوا الْوَحْشَ مُلْكَهُمْ حَتَّى تُكْمَلَ أَقْوَالُ اللهِ.” (رؤ17: 17).


ودائما ما تتعارض ارادة الانسان القلبية مع ارادة الله الصالحة، ولكن لا يمكن ان تقاوم الارادة الالهية او تنتصر عليها فيقول يسوع في رثاء اورشليم: “يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ! يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا!” (لو13: 34) هذا ليس معناه ان ارادة الله ليست محتومة ولكن المقصود هنا ان قلب اورشليم يطلب الشر والله يريد لها العلاقة العهدية التي اختيرت من اجلها. فالله استخدم عصيان اسرائيل في خلاص الامم، ” فَإِنَّهُ كَمَا كُنْتُمْ أَنْتُمْ مَرَّةً لاَ تُطِيعُونَ اللهَ، وَلكِنِ الآنَ رُحِمْتُمْ بِعِصْيَانِ هؤُلاَءِ” (رو11: 30)، وهذا دليل على ان هذا التمرد والمقاومة هما في خطة الله منذ البدء.


نحن نخضع لله حتى في وسط شرورنا ولكن ليس بقلوبنا، فظلمة قلوبنا هي ما تجعلنا نعتقد ان الله غير موجود في هذه الظلمة، وفي الحقيقة هو قريب لمن يدعوه حتى في احلك اللجظات، ولكي يجذبنا الله من الظلمة للنور فعليه ان يتواجد في الحالتين.”الَّذِي أَنْقَذَنَا مِنْ سُلْطَانِ الظُّلْمَةِ، وَنَقَلَنَا إِلَى مَلَكُوتِ ابْنِ مَحَبَّتِهِ،” (كو1: 13).


ان العرق والبيئة التي نشأنا بها، وطريقة تعليمنا وتربيتنا، هي ما تشكل قراراتنا واختياراتنا طوال الحياة، وليس “أرادتنا الحرة”، فنحن لم نختار شيء مما سبق ذكره، لا عائلتنا ولا تعليمنا ولا حتى زمان ومكان الميلاد، او موقعنا في التاريخ البشري، لقد حصلنا على طباع وخريطة جينية من آبائنا، وليس طبقا لما نريده، لذلك فان السبيل الوحيد لقبول النعمة هو النعمة وليس غيرها، حيث ان الله هو محدد البيئة والمسكن والزمن الذي ننشأ فيه وليس اختيارتنا.."وَصَنَعَ مِنْ دَمٍ وَاحِدٍ كُلَّ أُمَّةٍ مِنَ النَّاسِ يَسْكُنُونَ عَلَى كُلِّ وَجْهِ الأَرْضِ، وَحَتَمَ بِالأَوْقَاتِ الْمُعَيَّنَةِ وَبِحُدُودِ مَسْكَنِهِمْ، لِكَيْ يَطْلُبُوا اللهَ لَعَلَّهُمْ يَتَلَمَّسُونَهُ فَيَجِدُوهُ، مَعَ أَنَّهُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا لَيْسَ بَعِيدًا." (اع 17: 26-27)، وفي عظة بولس الرسول لاهل اثينا هنا يعلن ان المسببات التي تجعلنا نطلب الله، هي بالفعل من صنع الله نفسه.


ان يسوع المسيح هو الطريق الوحيد لبناء الارادة التي سقطت وهذا هو الوعد منذ البدء، “وَيَخْتِنُ الرَّبُّ إِلهُكَ قَلْبَكَ وَقَلْبَ نَسْلِكَ، لِكَيْ تُحِبَّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ لِتَحْيَا” (تث30: 6). وهذا البناء لا يمكن ان يتم فوق انقاض ما هدمه الفساد, بل ما يبنيه المسيح يبنيه على الصخر, على اساسات متينة لا تبلى, في خليقة جديدة ”إِذًا إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ: الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا.“ (2كو5: 17).


فالانسان لا يمكن ان يؤمن (يثق ويتكل ويحب) الله دون أن يُولد من فوق، أي من الروح القدس (يو٣)، فالانسان يختار ويقرر، لكن طبقًا لعمل الروح في قلبه، فكل الذين قبلوه...هم الذين وُلدوا من الله (يو١: ١٢، ١٣).


لقد جاء يسوع ملكًا لملكوت روحي وقلوب لحمية جديدة، لكي تخضع ارادتنا للنور وندرك ان مقاومتنا هي داخل مشيئة الله، وان ليس لها فائدة او ربح، بل خلاصنا الحقيقي هو ان نسلم لمشيئة الله المحتومة النفاذ. والحرية الحقيقية التي ننشدها هي اتحاد ما يتوجب علينا ان فعله مع ما نحب او نريد ان نفعله، اي ان الخضوع لمشيئة الله ومسيحه، هو جوهر الحرية، وليس هوى القلب.

Comments


محتوى الموقع يخضع لسياسة حقوق الملكية الفكرية للنشر والنسخ ويحذر استخدام المحتوى المقدم بدون اذن كتابي من خدمة الخبز الحي©
bottom of page