مواطن مدينة الله
مواطن مدينة الله
مز٤٦
- هويتك هي ما تتحكم في رؤيتك للألم والمعاناة.
1- مدينة الانسان منظر بلا جوهر.
عندما سقط الانسان في العصيان تعرى جسديا وروحيا، وأصبح بلا بر، وتشوهت صورة الله فيه، ففقد الانسان هويته في الله، وأصبح عبدًا لشهواته ورغبات قلبه، ونرى في مشهد السقوط ما أصاب الانسان من خوف وقلق، حتى انه هرب من وجه الله، فقد الانسان أمانته ففقد أمانه.
لذلك صار يعاني على مدار التاريخ من الخوف والقلق، لأن اجرة الخطية والعصيان هي موت، ولا شيء يخيف الانسان مثل الموت الذي صار حكمًا على كل بشر.
فالإنسان يتجاهل الله متظاهرًا بالقوة الذاتية، وفي نفس الوقت يتناول العقاقير لكي ينام، ولكي يتغلب على ضيقاته ومعاناته.
ان ضياع هوية الانسان جعلته يضع هويته وأمانه في أشياء مؤقتة وفانية، لذلك أصبح رجاؤه وامانه مؤقت على كل الأحوال. في المال، الصحة، العلاقات، وغيرها...
لذلك، يُذكرنا المرنم هنا بحالة الأرض او المدينة الأرضية ويقارنها بمدينة الله.
فالمدينة الأرضية تتزحزح، وتنقلب جبالها الى قلب البحار، وتضطرب وتهوى. حروب، مجاعات، اوبئة، ودينونة دائمة.
بينما مدينة الله لا تتزعزع، فالله في وسطها، ولاحظ أن ثبات مدينة الله واضطراب المدينة الأرضية لهم مسبب واحد وهو الله.
فالله يقصد هذه المقارنة لكي ننظر (هلموا انظروا اعمال الله).
فالله يسألنا هنا: ما هي هويتنا وماذا نتبع؟؟
- لذلك عندما تكون بلا هوية سماوية او لا تنتمي لمدينة الله فهويتك إذا مؤقتة وامانك مفقود.
لأن كل ما تحصل عليه من المدينة الأرضية معرض للفقد والفشل وليس مضمون...العمل، والمال، والصحة، والعلاقات، وغيرها..
2- مدينة الله هي ملجأ ورجاء الانسان.
الرجاء الوحيد للإنسان هو في استرداد الله له، فهو من اخرجه وهو الوحيد الذي له السلطان ان يسترده الى مكانته، بل الى مكانة أفضل بشكل لا نهائي.
والعجيب ان الله لم يسترد الانسان بالقوة، بل بالمحبة والتواضع، بل كانت القوة كامنة في ضعف الله وتواضعه في الفداء.
فيقول المرنم: رب الجنود معنا وهو ملجأنا. عمانوئيل (يهوه صباؤووت عمانو)، فالله صار لنا ملجأ وخيم بيننا وفدانا.
- في مشهد الصليب ضعف، ولكن في حقيقته قوة وسلطان، فقد تزعزعت الأرض في مشهد الصليب واظلمت السماء، وكانت كل هذه علامات على زعزعة الصليب لكل اساسات بشرية وكل مدن أرضية، وعظمة مزيفة.
- الصليب يجعلنا ننظر الى كل الأمور بنظرة مختلفة، ويبدأ بهويتنا، ففي الصليب صرنا أبناء مبررين ومدعوين لعمل وشغف مختلفين عن رغبات الشر، ففي الصليب فقط نطلب مجد من مات من اجلنا وقام ونعيش له، ولا نطلب ما لأنفسنا.
- الصليب يزعزع اساسات ومبادئ الانسان التي تنادي له ان يعيش لذاته ويتمركز حول ظروفه وانجازاته.
- بسبب الصليب أصبحنا مواطنين في مدينة الله، مواطن سماوي لا يضطرب باضطراب الأرض والظروف والأماكن.
فَإِنَّ سِيرَتَنَا نَحْنُ هِيَ فِي السَّمَاوَاتِ، الَّتِي مِنْهَا أَيْضًا نَنْتَظِرُ مُخَلِّصًا هُوَ الرَّبُّ يَسُوعُ الْمَسِيحُ. (في3: 20)
الانسان لا يسلك في حياته بحسب الظروف والأماكن، بل بحسب هويته أيا كانت ظروفه وأماكنه.
- فأن كنا ننتمي الى مدينة الله لا نخشى لو تزحزحت الأرض ولو انقلبت الجبال الى قلب البحار.
لأن كل ضيقة وألم أصبح مختلف بسبب الصليب، فالمسيحي يقاوم الخوف بكلمة الله التي تعده بأكثر مما يطلب او يفتكر:
أ- ان كل ضيقة ومتاعب سيقع فيها ستؤول في النهاية الى خيره.
وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ، الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ. (رو8: 28).
ب- ان كل ما يحصل عليه من بركات بسبب اتحاد المسيح وعمله الكفاري، لا يمكن ان يُفقد مهما كانت المخاطر.
فَمَاذَا نَقُولُ لِهذَا؟ إِنْ كَانَ اللهُ مَعَنَا، فَمَنْ عَلَيْنَا؟ اَلَّذِي لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ابْنِهِ، بَلْ بَذَلَهُ لأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ، كَيْفَ لاَ يَهَبُنَا أَيْضًا مَعَهُ كُلَّ شَيْءٍ؟ مَنْ سَيَشْتَكِي عَلَى مُخْتَارِي اللهِ؟ اَللهُ هُوَ الَّذِي يُبَرِّرُ. مَنْ هُوَ الَّذِي يَدِينُ؟ اَلْمَسِيحُ هُوَ الَّذِي مَاتَ، بَلْ بِالْحَرِيِّ قَامَ أَيْضًا، الَّذِي هُوَ أَيْضًا عَنْ يَمِينِ اللهِ، الَّذِي أَيْضًا يَشْفَعُ فِينَا. مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟ أَشِدَّةٌ أَمْ ضِيْقٌ أَمِ اضْطِهَادٌ، أَمْ جُوعٌ، أَمْ عُرْيٌ، أَمْ خَطَرٌ، أَمْ سَيْفٌ؟ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «إِنَّنَا مِنْ أَجْلِكَ نُمَاتُ كُلَّ النَّهَارِ. قَدْ حُسِبْنَا مِثْلَ غَنَمٍ لِلذَّبْحِ». وَلكِنَّنَا فِي هذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا بِالَّذِي أَحَبَّنَا. فَإِنِّي مُتَيَقِّنٌ أَنَّهُ لاَ مَوْتَ، وَلاَ حَيَاةَ، وَلاَ مَلاَئِكَةَ، وَلاَ رُؤَسَاءَ وَلاَ قُوَّاتِ، وَلاَ أُمُورَ حَاضِرَةً وَلاَ مُسْتَقْبَلَةً، وَلاَ عُلْوَ وَلاَ عُمْقَ، وَلاَ خَلِيقَةَ أُخْرَى، تَقْدِرُ أَنْ تَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا. (رو8: 31-39)
ج- ان الأفضل أيضا سيأتي بمجيء المسيح ثانية.
ثُمَّ رَأَيْتُ سَمَاءً جَدِيدَةً وَأَرْضًا جَدِيدَةً، لأَنَّ السَّمَاءَ الأُولَى وَالأَرْضَ الأُولَى مَضَتَا، وَالْبَحْرُ لاَ يُوجَدُ فِي مَا بَعْدُ. وَأَنَا يُوحَنَّا رَأَيْتُ الْمَدِينَةَ الْمُقَدَّسَةَ أُورُشَلِيمَ الْجَدِيدَةَ نَازِلَةً مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُهَيَّأَةً كَعَرُوسٍ مُزَيَّنَةٍ لِرَجُلِهَا. وَسَمِعْتُ صَوْتًا عَظِيمًا مِنَ السَّمَاءِ قائلا: “وذا مَسْكَنُ اللهِ مَعَ النَّاسِ، وَهُوَ سَيَسْكُنُ مَعَهُمْ، وَهُمْ يَكُونُونَ لَهُ شَعْبًا، وَاللهُ نَفْسُهُ يَكُونُ مَعَهُمْ إِلهًا لَهُمْ. وَسَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ، وَالْمَوْتُ لاَ يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ، وَلاَ يَكُونُ حُزْنٌ وَلاَ صُرَاخٌ وَلاَ وَجَعٌ فِي مَا بَعْدُ، لأَنَّ الأُمُورَ الأُولَى قَدْ مَضَتْ. (رؤ21: 1-4).
3- مدينة الله هي مدينة السلام التي تنزع القلق.
- نحن نريد دائما ان نصنع سلامنا بأنفسنا وان نضمن لأنفسنا الغد بتغيير الظروف وليس الهوية، فمنا من يريد ان يهاجر ويترك ارضه ليذهب لأرض أفضل وأسهل، ولكن ليس هذا حلًا لأن مدينة الانسان تختلف فقط في ظاهرها وليس في باطنها، ومشكلة الانسان ليست في مكانه، بل في قلبه، والذي سينتقل معه أينما ذهب، وسيجد الشر في قلوب البشر أيضا أينما ذهب.
- نحن لا نحتاج الى مواطنة أرضية أفضل، بل الى مواطنة مختلفة كليا عن اوطان الأرض. مواطنة نستطيع فيها الاتكال على مدينة لا تتزعزع ولا تضطرب.
- الهجرة لن تنزع منا القلق والخوف، فهم في أعماق قلوبنا، ومسبباتهم ليست خارجية، بل داخلية.
- الحل في تغيير القلب وتغيير الهوية، فنحن نحتاج بطاقة هوية سماوية وليس جواز سفر أوروبي او امريكي.
- يريدنا الله ان نكف عن تجاهله وان نعلم شخصيته وهويته وصفاته، فبدون ذلك لا يمكن ان نفهم أنفسنا او نحدد هويتها. (كفوا واعلموا..) كفوا عن الخوف والقلق والنظر الى المزيف.
- يريد الله ان يحول نظرنا من العالم وبهائه الكاذب الى مدينته المقدسة الثابتة، وهو الامر الوحيد القادر ان يغلب القلق والخوف وسط الضيق.
القلق والخوف حرب وصراع داخل النفس البشرية، حرب مع الرغبة وتحقيقها، وصراع مع الشر والميل اليه، واعداء خفيين يثيرون الرعب من ظهورهم في أي وقت، وينزعون السلام من القلب.
الله هو مسكن الحروب ومكسر القوس وليس افكارنا، فلا يمكن لفكرة إنسانية التغلب على الشر والموت والشيطان، بدون ان يملأنا الله من روحه ونصير خليقة جديدة، لا يمكن ان نجد سلام وسكون.
لا تبحث عن تغيير ظروفك وأماكنك وهويتك الأرضية، بل ابحث عن تغيير قلبك وهويتك الروحية.
تغيير المكان والظروف لا يجب ان يتم طبقا لتحسين الحالة المعيشية وراحة البال، بل طبقا للارسالية التي دعي إليها المسيحي فالرب يقول انه يتعالى بين الأمم ويتعالى في الأرض وهكذا فهدف المسيحي مختلف في تغيير مكانه وظروفه، فعلى عكس الانسان الطبيعي يبحث المسيحي عن اكثر الأماكن ظلمة وفساد ليكون فيها ملحًا ونورًا وليس ليحصل على ظروف معيشية افضل وفرص اكثر لكسب المال.
ان جودة حياة المسيحي تقاس بمقدار مشابهة المسيح وتمجيد الله في اشد الظروف فسادًا واكثر الأماكن ظلمة، وليس في الحصول على ظروف معيشية افضل من كسب للمال والحصول على مكانة اجتماعية او سياسية.
Comentarios