الاختبار المسيحي
top of page
1/3

الاختبار المسيحي


في هذا الفصل سوف نقوم بدراسة ما هو الاختبار المسيحي، بمعنى: كيف يتحول الانسان من انسان طبيعي الى انسان روحي؟ كيف يشرح لنا الكتاب المقدس التحول والوسائل التي تجعل الانسان المسيحي منذ بداية حياته مع الله ان يصير انساناً روحياً مستعداًلكل عمل صالح؟ ما هي سكة النمو المسيحي؟ وما هي الادوات الروحية التي ننمو بها لنصير مثل يسوع المسيح؟ لنكون مشابهين صورة ابنه (رو 8 :29).


1- الولادة الجديدة:

· هي سر خافٍ عنا، فهي عمل الله بالكامل في الانسان ولا نستطيع تحديداً الزمن الذي يولد الانسان من جديد بالروح القدس تزامناَ مع إدراك الانسان بعجزه وفشله ، فهي عمل سري لله بداخل النفس البشرية ولا يوجد اي دور للانسان فيها، كما قال المسيح لنيقوديموس: "الروح تهب حيث تشاء وتسمع صوتها لكنك لا تعلم من أين تأتي ولا إلى اين تذهب. هكذا كل من ولد من الروح (يو3 :8). فنحن نسمع صوت الريح و نرى ما ينتج عنها لكننا لا نستطيع ان نرى الريح، هكذا يعمل الروح في قلب كل واحد منا.

· فهي حقيقة تؤثر في كل كيان الانسان ، فالكتاب يقول: "ان كان احد في المسيح فهو خليقة جديدة. الاشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديداً" (2 كو 5: 17) .

· هي عمل يحدث للانسان مرة واحدة في حياته و ليس متجدداً كالتوبة مثلاً ، قد يكون حدثاً ثورياً يحدث في حياة البعض يظهر في توبته من النقيض للنقيض كالقديس موسى الاسود، و قد يكون بطريقة داخلية غير منظورة (اخلاقياً) ،لكنه حتماً يحدث تغييراً جزرياً في طبيعة الانسان.

· لكننا نستطيع القول بأن الله هو من يفتح القلوب و هو من يلدنا من جديد لنقبل عمل المسيح ،فقبول المسيح ليس بالذكاء او الحكمة البشرية لكنه عمل الروح و برهانه، فالايمان الحقيقي ليس مجرد عمل عقلي فيه يقبل الانسان بعض المعلومات و الحقائق فيصير مسيحياً لكنه التعلق القلبي بالمسيح و الايمان المخلص المثمر و العامل.

· فنجد قول المسيح: "لا يقدر احد ان يأتي اليّ ان لم يجتذبه الآب الذي ارسلني" (يو 6: 44)، و ايضاً:"لا يقدر احد ان يأتي اليّ ان لم يعطى من أبي" (يو 6: 65) ، وكما وصف لوقا في سفر اعمال الرسل عن ليدية:"ففتح الرب قلبها لتصغي الى ما كان يقوله بولس" (اع 16: 14) ، وعلى النقيض يقول بولس الرسول:"الانسان الطبيعي(اي الذي بدون الروح القدس) لا يقبل ما لروح الله لأنه عنده جهالة ولا يقدر ان يعرفه لأنه انما يحكم فيه روحياً" (1 كو 2: 14 ) وعن البعيدين عن الله:"ليس من يفهم.ليس من يطلب الله" (رو 3: 11) ، فالله هو الذي يحيينا لنقبل المسيح و نقبل دعوته، ومن ثم يظهر الثمر من التغيير في الحياة والسلوك.

· لا يمكن ألا تثمر الولادة الجديدة الحقة الا تغيير في السلوك، كما قال يعقوب في رسالته "ان الايمان بدون اعمال ميت" (يع 2: 20)، وكما يقول يقول يوحنا الرسول في رسالته الاولى:"كل من هو مولود من الله لا يفعل خطية لأن زرعه يثبت فيه ولا يستطيع ان يخطئ لأنه مولود من الله " (1 يو 3: 9) وهذه الآية لا تعني ان المولود من الله سيحصل على حية كاملة خالية من الخطية لكن السمة التي التي تميزه هو طاعة المسيح وعدم الاستمرارية في اي خطية.، وكذلك يقول: " كل من يصنع البر مولود منه" (1 يو 2: 29).

2- التوبة والايمان:

· كما قلنا ان معرفة الانسان بأمور الايمان لا تكفي للحياة مع الله ولا حتى الموافقة العقلية عليها ، لكن يجب اخذ القرار بالاعتماد على يسوع المسيح ليخلصني شخصياً وهذا ما يسمى بقبول المسيح، وهذا ليس بالقبول النظري لكنه الثقة في يسوع المسيح انه مخلصي ليس فقط من اجل بركات الخلاص من غفران الخطايا و الحياة الابدية، لكن بالالتصاق بالمسيح و تبعيته كرب (قائد) لي في حياتي.

· يجب ان يتلازما كل من التوبة و الايمان معاً فالتوبة هي ندم قلبي على الخطية و ترك لها ، ووعد قاطع مخلِص بهجرها، و السير في طاعة المسيح. والمقصود هنا ليس مجرد حياة التوبة لكنها توبة الحياة اولاً ، اي التوقف عن السير بدون المسيح و لأجل نفسي و العودة للسير بالخضوع للمسيح .وليس مجرد الاسف القلبي هو التوبة لكن التصميم القلبي على تبعيته ، و الايمان هنا ملازم للتوبة بأن المسيح قد حمل عني خطيتي و هو المعين لي و الشفيع من اجلي لكي احيا له.

· بعد توبة الحياة تبدأ أ حياة التوبة كما قال الرسول يوحنا في رسالته الاولى:"يا اولادي اكتب اليكم هذا لكي لا تخطئوا. وان اخطأ احد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار.(1 يو 2: 1) فبالتوبة المستمرة عن كل خطية فعلية نفعلها تستمر الشركة مع الله و التمتع بالشركة مع الكنيسة. كما هو مكتوب: "ان قلنا ان لنا شركة معه و سلكنا في الظلمة نكذب و لسنا نعمل الحق ولكن ان سلكنا في النور كما هو في النور فلنا شركة بعضنا مع بعض و دم المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية"(1 يو 1: 6, 7).

· التوبة والايمان يجب ان يستمرا مدى الحياة، "فما نحياه الآن نحياة في ايمان ابن الله الذي احبني وأسلم نفسه لأجلي “(غل 2: 20).


3- سكنى الروح القدس:

· إن سكنى الروح القدس هو العمل الذي به يسكن الله بصورة دائمة في جسد الشخص المؤمن بالمسيح.

· في العهد القديم، كان الروح القدس يأتي ويذهب على القديسين ويمكنهم من الخدمة ولكن ليس بالضرورة يبقى معهم (أنظر قضاة 15: 14؛ أخبار الأيام الأول 12: 18؛ مزمور 51: 11؛ حزقيال 11: 5). وقد أعلن المسيح لتلاميذه الدور الجديد الذي يقوم به روح الحق في حياتهم: "لأَنَّهُ مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ". (يوحنا 14: 17). كتب الرسول بولس يقول: "أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ الَّذِي لَكُمْ مِنَ اللهِ وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟ لأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ..." (كورنثوس الأولى 6: 19-18).

· تخبرنا هذه الآيات أن الشخص المؤمن بالمسيح لديه الروح القدس، ساكن فيه. عندما يقبل الشخص المسيح كمخلص شخصي، فإن الروح القدس يمنح الشخص المؤمن حياة الله، الحياة الأبدية، التي هي بالفعل حقيقة طبيعته (تيطس 3: 5؛ بطرس الثانية 1: 4) ويأتي الروح القدس ليعيش فيه روحياً.

· إن حقيقة تشبيه جسد المؤمن بأنه هيكل يعيش فيه الروح القدس تساعدنا في فهم معنى سكنى الروح القدس. تستخدم كلمة "هيكل" للإشارة إلى قدس الأقداس، أي القدس الداخلي في خيمة الاجتماع في العهد القديم. فهناك، كان حضور الله يظهر في سحابة لملاقاة رئيس الكهنة، الذي كان يدخل إلى قدس الأقداس مرة واحدة في العام. في يوم الكفارة، كان الكاهن يأتي بدم ذبيحة حيوانية ويرشه على كرسي الرحمة في تابوت العهد. في هذا اليوم الخاص، كان الله يمنح الكاهن وشعبه الغفران.

· اليوم لا يوجد هيكل لليهود في أورشليم، وقد توقف تقديم الذبائح الحيوانية. وصار المؤمن بالمسيح هو القدس الداخلي لله الروح القدس حيث تم تقديس المؤمن ونال الغفران بدم يسوع المسيح (أفسس 1: 7). صار المؤمن بالمسيح هو مكان سكن روح الله القدوس. في الواقع، تقول كلمة الله أيضاً أن المسيح يسكن روحياً في المؤمن (كولوسي 1: 27) وكذلك الله الآب (يوحنا الأولى 4: 15) – فالثالوث عامل هنا.

· كل مؤمن حقيقي يسكن فيه الروح القدس كختم على صحة إيمانه، وكعربون لميراثه الأبدي إلى يوم فداء جسده وصيرورته على صورة جسد مجد المسيح. "الذي فيه أيضاً أنتم إذ سمعتم كلمة الحق إنجيل خلاصكم الذي فيه أيضاً إذ آمنتم خُتمتم بروح الموعد القدوس الذي هو عربون ميراثنا لفداء المقتنى لمدح مجده". (أف1: 13)

· عندما يسكن الروح القدس في المؤمن، فإنه يأتي بنتائج مغيرة للحياة:


1- يأتي سكنى الروح القدس إلى نفس مائتة بالخطية ويخلق حياة جديدة (تيطس 3: 5). هذه هي الولادة الجديدة التي تحدث عنها المسيح في يوحنا 3: 1-8.

2- يؤكد سكنى الروح القدس انتماء المؤمن للرب، وأنه وارث لله، ووارث مع المسيح (رومية 8: 15-17).

3- يثبت سكنى الروح القدس المؤمن كعضو في كنيسة المسيح العامة. هذه هي معمودية الروح وفقاً لرسالة كورنثوس الأولى 12: 13.

4- يعطي سكنى الروح القدس مواهب روحية (قدرات معطاة من الله للخدمة) للمؤمن لبنيان الكنيسة وخدمة الرب بفاعلية لمجده (كورنثوس الأولى 12: 11).

5- إن سكنى الروح القدس يساعد المؤمن على فهم كلمة الله وتطبيقها في حياته اليومية (كورنثوس الأولى 2: 12).

6- إن سكنى الروح القدس يثري صلوات المؤمن ويتشفع له في الصلاة (رومية 8: 26-27)

7- إن سكنى الروح القدس يقوي المؤمن لكي يعيش للمسيح ويعمل مشيئته (غلاطية 5: 16). ويقود الروح المؤمن في طريق البر (رومية 8: 14)

8- إن سكنى الروح القدس يعطي دليل على الحياة الجديدة من خلال ثمر الروح في حياة المؤمن (غلاطية 5: 22-23)

9- يحزن الروح القدس عندما يخطئ المؤمن (أفسس 4: 30) ويبكت المؤمن لكي يعترف بخطاياه للرب حتى يستعيد الشركة معه (يوحنا الأولى 1: 9).

10- إن سكنى الروح القدس يختم المؤمن حتى يوم فداؤه وهكذا يضمن وصول المؤمن إلى محضر الرب بعد هذه الحياة (أفسس 1: 13-14).



· هناك جانبان لحقيقة سكنى الروح، نراهما في هذه الأقوال الكتابية وهما: امتلاكه لنا، وامتلاكنا نحن له، فإن الله يطالب بملكية كل من فيه روحه القدوس.

· ونحن إنما خُتمنا بالروح لأننا صرنا ملكاً لله، أصبحنا كنـزه. وفي ذات الوقت، الروح القدس هو عربون مالنا في علاقتنا بالمسيح، فقد صار هو كنـزنا وكل ما له صار ملكاً لنا.

· إن أي خطاب لا يعتبر منتهياً، ما لم يُوقّع عليه أي يُختم قبل إرساله إلى جهة الوصول، وقياساً على ذلك يعلن الله أننا بقوته محروسون لأجل ما أعده لنا. فإن كان العالم بما عليه لا يروق في نظر المسيح. فينبغي أن يكون الحال هكذا بالنسبة لمن هم له، إذ أنهم مدعوون لإحراز مجده، ومختارون لمشاركته في مسراته الخاصة في مكان وجوده الخاص. وما أن امتلكنا حتى أرسل روحه إلى قلوبنا ليحتفظ بنا له إلى يوم اقتناء غنى مقاصده نحونا.


· وكل مؤمن هو معتمد بالروح القدس "لأننا جميعاً بروح واحد أيضاً اعتمدنا إلى جسد واحد" (1 كو 12: 13). وذلك تحقيقاً لوعد الرب لتلاميذه "وأما أنتم فستتعمدون بالروح القدس ليس بعد هذه الأيام بكثير" (أع 1: 5) أي في يوم الخمسين. وليست معمودية الروح القدس هي لبعض المؤمنين كاختبار ثان مميز بعلامة معينة، بل كل عضو في جسد المسيح قد نال معمودية الروح بسكناه في داخله وضمه إلى جسد المسيح.

· أما الامتلاء بالروح القدس فهو حالة روحية يجب أن يسعى للوصول إليها كل مؤمن حقيقي إذ يتجرد من إرادته الذاتية ويخضع تماماً لعمل الروح القدس فيه وقيادته له. ويشهد الكتاب المقدس عن بعض المؤمنين المكرسين أنهم كانوا "مملوئين من الروح القدس" (أع 6: 3، 5). كما يحرض جميع المؤمنين قائلاً "امتلئوا بالروح" (أف 5: 18).

· لذا الحاجة في الصلاة هي الى هذه الحياة الممتلئة بالروح، الممتلئة من التسليم لقيادته لنا، وهو امتلاء متجدد ومتكرر باستمرار، احياناً يكون مصحوباً بموهبة يفعّلها الروح القدس فينا واحياناً بالقوة لمواجهة الحياة.. الخ، لكن هذه الحياة يمكن ان ينعم بها المؤمن من اول يوم في ايمانه وهكذا يكون اشتياقه دائماً ان يمتلأ من الروح باستمرار، وعليه ان يتوقع هذا في كل مرة يصلي او يسبح الله او يقرأ ويدرس في الكلمة المقدسة، وهو امر ضروري لحياة النصرة على الذات ولا بديل عنه.


تابع المقالات القادمة لاستكمال الموضوع

27 views0 comments
bottom of page